لم أنسَ هذا اللقاء.
قالها بهدوء يشبه الاعتراف،:
«أنا من صمّم الميزة التي جعلت المحتوى لا ينتهي… وأندم عليها.»
اسمه Aza Raskin.
أحد المصممين الذين شاركوا في ابتكار فكرة أن تفتح الجوال فتجد المحتوى يتجدّد بلا نهاية.
تتصفّح… ثم تواصل… ثم تواصل، من دون نقطة توقف واضحة.
لم يكن حديثه غضبًا من التكنولوجيا، بل قلقًا من أثرها وأضرار الجوال
قلقًا من فكرة بدأت بوعد بسيط: تسهيل التصفّح، وانتهت إلى بوابة مفتوحة تبتلع الوقت والانتباه من دون أن نشعر.
والمفارقة أن راسكين لم يتحدث كناقد من الخارج، بل كمشارك من الداخل.
شخص يعرف جيدًا كيف يُستدرج العقل بهدوء ليقول:
مرة أخرى… ثم مرة أخرى… ثم لا شيء يتغيّر.
لماذا ينجذب العقل إلى هذا السلوك؟
لأن الـ scrolling يعتمد على دافع إنساني قديم: حب الترقّب.
أنت لا تعرف ما الذي سيظهر في اللحظة التالية: خبر يثير اهتمامك، صورة تستفزك، منتج ما سيغير حياتك
هذا الغموض هو ما يدفعك للاستمرار رغم أضرار الجوال
الرقم الذي نتجاهله غالبًا
متوسط استخدام الهاتف يوميًا يقترب من
أربع ساعات ونصف.
وعندما نعيد النظر في هذا الرقم:
ساعة واحدة أقل يوميًا تعني
نحو ثلاثين ساعة في الشهر.
ثلاثون ساعة… مساحة حياة كان يمكن أن تُستعاد.
تأثير وأضرار الجوال
1) الانتباه والذاكرة
تشير بعض الدراسات إلى أن وجود الهاتف قريبًا حتى من دون استخدامه قد يؤثر على جودة التركيز، وكأن جزءًا من الذهن يظل مشغولًا به في الخلفية.
ودراسات أخرى تربط كثرة الاستخدام بتأثيرات على الانتباه والذاكرة العاملة (Working Memory) ونتائج أفضل عندما يكون الهاتف بعيدًا/غائبًا
2) النوم وجودته
الاعتياد على استخدام الهاتف قبل النوم مباشرة يرتبط باضطراب النوم وضعف جودته، حتى لدى من ينامون عدد ساعات كافٍ.
3) العلاقات الأسرية
الأبحاث تصف ظاهرة اسمها Technoference حين يحضر الهاتف في لحظات يُفترض أن تكون مشتركة بينك وبين عائلتك، تقل درجة الانتباه المتبادل. نكون موجودين جسديًا… لكن ذهنيًا في مكان آخر.
4) نظرتنا إلى أنفسنا
وسائل التواصل لا تعرض حياة الآخرين كما هي، بل لحظاتها الأجمل والأكثر تنسيقًا.
ومع التكرار، تتحوّل المقارنة إلى عبء صامت يؤثر في رضا الإنسان عن نفسه.
الحل ليس في “قوة الإرادة”
كثيرون يحاولون تقليل استخدام الهاتف وهم داخل البيئة نفسها التي تجذبهم إليه باستمرار.
وهذا مسار مرهق.
البديل أبسط:
غيّر المكان قبل أن تطلب من نفسك المقاومة.
كيف نقلل أضرار الجوال في تجربة بسيطة لمدة سبعة أيام؟
1️⃣ الهاتف خارج غرفة النوم
اتفاق واضح بينك وبين عقلك غرفة النوم للراحة، لا للتصفّح.
2️⃣ إيقاف الإشعارات غير الضرورية
ليس كل تنبيه عاجلًا، ولا كل محتوى يستحق أن يقاطعك.
3️⃣ قاعدة واحدة واضحة
إذا حان وقت النوم، يبقى الهاتف خارج الغرفة.
عندما يتحوّل القرار إلى قاعدة، لا يعود مرهقًا في كل مرة.
ربما لا نحتاج إلى ترك الهواتف،
بل فقط إلى إعادة وضعها في مكانها الصحيح.
فهل نحن مستعدون
لاستعادة بعض الوقت… الذي يضيع بصمت أثناء التصفّح؟



