لامتحان في الساعة التاسعة صباحًا.. أخرج من بيتي في السابعة، وقت كافي لأصل مبكرة وأراجع لبعض الوقت قبل الاختبار … لكن أجد الطرق مغلقة لأسباب أمنية… أترك السيارة وأركض في الشوارع باحثة عن طريق مختصر إلى قاعتي لكن يبدو أن قراري في الذهاب مشيًا على الأقدام كان خاطئًا
بدأ الاختبار وانتصف وقته، قابلتني المراقبة بالرفض.. “لا يمكنني إدخالك الآن، استأذني الإدارة”… وبعد محاولات الإقناع أدخل ولكن لا أتمكن من إنهاء الإجابات لضيق الوقت …
هذا حلمي الذي يتكرر، حتى بعد سنوات من التخرج، وكنت أظن أنه يزورني فقط، لكن أدركت أن هذا الحلم “ترند” يتكرر عند الكثيرين
والسؤال هو لماذا؟
أولاً: ما هو القلق حقًا؟
القلق ليس خوفاً مباشراً، ولا حدثاً ملموساً، بل هو تفاعل عصبيّ أمام احتمال وليس أمام الواقع
هو حالة يكون فيها العقل في وضع “الاستعداد”، وكأن شيئًا يستعد للحدوثلاق.
في علم النفس، يُعرّف القلق بأنه:
استجابة داخلية تتولد عندما يشعر العقل بأن هناك فجوة بين ما هو مطلوب وما هو ممكن.
هذه الفجوة الصغيرة تتحول داخل الدماغ إلى أسئلة ما قبل الاختبار:
هل أنا مستعد؟
هل سأفشل؟
هل أتأخر عن شيء؟
هل هناك ما يفلت من يدي؟
ولهذا يكون الامتحان كحدث رمزي قرب محاكاة لهذا النوع من الخوف.
ثانياً: لماذا يظهر الامتحان تحديداً في الحلم؟
هناك ثلاثة أسباب نفسية دقيقة:
الامتحان هو أول “تجربة تقييم” مررنا بها في حياتنا
الدماغ يختزن المواقف التي ترتبط بالضغط النفسي كملفات “عالية الحساسية”.
والامتحان كان أول لحظة نختبر فيها:
◾القلق من النتيجة
◾الإحساس بأنه تحت المراقبة
◾شعور أن هناك من ينتظر أداءه
كلما مررنا بتوتر مشابه لاحقاً عمل جديد، مسؤوليات، أدوار أسرية يعود العقل إلى أول نموذج عرفه: الامتحان.
قاعة الاختبار رمز واضح لـ “الخوف من عدم الجاهزية”
الأحلام وفق أبحاث هارفارد لا تستعيد الوقائع، بل الرموز. ولذلك يظهر الامتحان كصورة رمزية لـ:
الشعور بأنك متأخر، أو غير جاهز، أو محاط بتوقعات أو غير قادر على السيطرة على الوقت
إنه مشهدٌ مضغوط، يختصر كل شيء.
العقل أثناء النوم يعالج ما لا نعالجه ونحن مستيقظون
حين نكبت مشاعرنا، يتولى الحلم مهمة إسماعها لنا.
ولهذا يظهر الحلم بالاختبار حين نعيش مراحل:
تغييرات كبيرة، وضغوط متراكمة، وقرارات مصيرية، وخوف من المستقبل أو رغبة قوية في إثبات الذات
ثالثاً: ماذا يعني أن يتكرر الحلم؟
تكرار الحلم يعني أن العقل يعيش في وضع التأهب.
الإنسان الذي يعيش في ضغطٍ ممتد لا يستطيع إطفاء “زر التوتر” بسهولة،
فيبدأ الجهاز العصبي في تشغيل سيناريوهات مألوفة لتفريغ القلق.
دراسة عالمية شملت 20 ألف شخص وجدت أن:
40–60٪ من البالغين يحلمون بالامتحانات بعد سنوات من التخرج.
وتزداد نسبة الحلم في لحظات: تغيير الوظيفة أو الانتقال لمكان جديد، توتر العلاقات أو مواجهة مسؤوليات جديدة
بمعنى: الحلم يظهر من مشكلات الحاضر.
رابعاً: كيف نتصرف بوعي مع هذا النوع من القلق؟
اسأل نفسك: ما الشيء الذي أهرب من الاعتراف به؟
غالباً ما يكون هناك أمر نحاول تجاهله والإجابة الصادقة على هذا السؤال تعيد الأمور لمكانها الحقيقي.
لاحظ علامات القلق خلال اليوم
هل تشعر بتوتر عضلي؟ تسارع التفكير؟ إرهاق غير مبرر؟ تأجيل مهام؟
تشتت؟ هذه إشارات من الجهاز العصبي.
اعترف بمشاعرك قبل أن يحلم بها عقلك
المشاعر غير المُعترف بها تعود في الليل بشكل رمزي.
كتابة ما يزعجك، أو الحديث عنه، أو أن تسمح لنفسك بالشعور بدل مقاومته… هذا وحده يقلل ظهور الحلم، وبالطبع القلق
أعد ضبط علاقتك بالوقت
أحلام الامتحان ترتبط بشعور “الوقت يفلت”: تنظيم المهام الصغيرة، وتخفيف المثالية، وإغلاق الملفات العالقة يقلل من ظهور هذا النوع من الأحلام.
مارس نشاطًا يهدئ الجسم
الحركة، التنفس العميق، والمشي…
طرق فعّالة لإطفاء جهاز التوتر.
أخيراً: الحلم مرآة
حلم الاختبار ليس لأننا “نخاف من الامتحانات”،
بل لأنه أوضح استعارة عرفها العقل ليعبّر عن قلقنا اليومي.
إنه رسالة تقول:
“هناك شيء تحتاج إلى رؤيته. إلى الاعتراف به. إلى تخفيفه.”
وعندما نسمع هذه الرسالة، يهدأ الحلم… ويهدأ القلق معه.




